تطوير الأعمال الاستراتيجية في عام 2025 وما بعده

مقدمة: من الاستشعار المسبق إلى هندسة النمو

في صباحٍ رطب من يوليو 2025، يتلقى فني في أحد متاجر وولمارت (Walmart) تنبيهًا صامتًا: ستتعطل إحدى خزائن التبريد خلال 30 دقيقة. لم يلحظ أي إنسان شيئًا — بل اكتشف ذلك التوأم الرقمي (Digital Twin) للمتجر، وتمت جدولة الإصلاح قبل أن يذوب أي آيس كريم.

في المقر الرئيسي، تستخدم فرق المنتجات الذكاء الاصطناعي القائم على الوكلاء (Agentic AI) لاكتشاف الاتجاهات الناشئة وتصميم منتجات تصل إلى الرفوف خلال أسابيع. إنها لمحة عن الاستراتيجية الحديثة: استشعار التغيير مبكرًا، التحرك أسرع من المنافسين، وربط الذكاء الاصطناعي مباشرة بسير العمل الذي يولّد النمو.

1. الواقع الكلي في 2025: نمو أبطأ ورهانات أكبر

المشهد الاقتصادي العالمي لا يشهد أزمة ولا طفرة. تشير توقعات صندوق النقد الدولي (IMF) إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 3.0% في 2025 و3.1% في 2026. النمو ثابت لكن محاط بمخاطر من الرسوم الجمركية والتفتت الجيو-اقتصادي.

أما التجارة العالمية فقد أضافت نحو 300 مليار دولار في النصف الأول من 2025 حسب الأونكتاد (UNCTAD)، مدفوعة بتحسن الزخم رغم حالة عدم اليقين السياسي. ومع ذلك، تراجعت الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 11% في 2024 لتصل إلى 1.5 تريليون دولار، ما رفع سقف الرهانات عبر الحدود.

تمويل رأس المال المغامر (Venture Capital) يتعافى لكن بانتقائية عالية — حيث بلغ عدد الصفقات أدنى مستوى منذ 2016 رغم تجاوز التمويل 90 مليار دولار، في إشارة واضحة إلى الميل نحو مشاريع الذكاء الاصطناعي.

2. الذكاء الاصطناعي: نظام التشغيل للنمو

في تقرير ماكينزي (McKinsey) لشهر مارس 2025، تبين أن 78% من الشركات تستخدم الذكاء الاصطناعي في وظيفة واحدة على الأقل، بينما 71% منها تعتمد على الذكاء الاصطناعي التوليدي (Generative AI). الأهم أن 21% من الشركات أعادت بالفعل تصميم بعض مسارات العمل، وهو ما اعتبرته ماكينزي أقوى محرّك منفرد لزيادة صافي الربح.

ويتوقع تقرير جارتنر (Gartner) أن يبلغ إنفاق مستخدمي الحوسبة السحابية العامة 723 مليار دولار في 2025 — بزيادة 22% سنويًا — مدفوعًا بعبء أعمال الذكاء الاصطناعي. أما تقرير IBM فيقدّر متوسط تكلفة خرق البيانات عالميًا بـ4.44 ملايين دولار، وهو أول انخفاض منذ خمس سنوات، لكنه ما زال يتجاوز 10 ملايين دولار في الولايات المتحدة. الرسالة واضحة: ابنِ بالذكاء الاصطناعي، لكن ابنِ أولًا على الحوكمة والأمن السيبراني.

3. التشريعات جزء من استراتيجية الدخول إلى السوق

خلال عام 2025، بدأت متطلبات قانون الذكاء الاصطناعي للاتحاد الأوروبي (EU AI Act) تدخل حيز التطبيق التدريجي. من بين أهم البنود:

• حظر الأنظمة ذات مستوى الخطورة غير المقبول اعتبارًا من فبراير 2025.
• فرض التزامات الشفافية على أنظمة الذكاء الاصطناعي ذات الغرض العام خلال 12 شهرًا.
• تطبيق قواعد خاصة بالأنظمة عالية الخطورة لاحقًا.

بالتوازي، يتم تبسيط جدول توجيه تقارير الاستدامة المؤسسية (CSRD) لتخفيف العبء التنظيمي مع الحفاظ على المسار نحو تقارير معيارية. أما في الولايات المتحدة، فتوقف تنفيذ قواعد إفصاح المناخ لدى هيئة الأوراق المالية والبورصات (SEC) مؤقتًا، ما خلق حالة من عدم اليقين ولكن أيضًا نافذة للقيادة الطوعية.

4. العميل أولاً: رحلة شراء رقمية بالكامل

في 2025، أصبحت رحلة الشراء أكثر رقمية من أي وقت مضى. في الولايات المتحدة، بلغت التجارة الإلكترونية 16.3% من إجمالي التجزئة، ارتفاعًا من 16.1% في العام السابق. ومع صعود المساعدين القائمين على الوكلاء، مثل “سباركي” (Sparky) من وولمارت، بات الاتصال الأول بالعميل غالبًا خوارزميًا.

لذلك، يجب على الشركات تحسين البيانات الوصفية، وحزم المنتجات، وتنظيم المحتوى كما تهتم بالإعلانات أو مواضع الرفوف في المتاجر.

5. الجغرافيا تعود لتكون استراتيجية

منذ عام 2022، تعيد التجارة وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر الاصطفاف على خطوط جيوسياسية واضحة. المثال الأبرز هو المكسيك، التي سجلت في الربع الأول من 2025 مستوى قياسيًا بلغ 21.4 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

هذا الاتجاه يعكس مفهوم التوريد إلى الدول الصديقة (Friendshoring)، الذي يوازن بين الكفاءة الاقتصادية والمرونة في مواجهة العقوبات والصدمات وسلاسل الإمداد المعقدة.

6. دليل عملي لعام 2025 وما بعده

• أعد هندسة مسارات العمل بدلًا من مجرد اعتماد أدوات جديدة — الذكاء الاصطناعي الفعال يبدأ من إعادة تصميم المهام.
• عامل البنية التحتية كرافعة للنمو عبر استثمارات في السحابة والبيانات الآمنة.
• ابنِ للتوزيع الخوارزمي مع تحسين المحتوى والسمات وتجارب المستخدم.
• وطن وفق القواعد بما يتماشى مع قانون الاتحاد الأوروبي وتقارير الاستدامة.
• هندس جغرافيا عملك لتشمل أسواق صديقة ومستقرة.
• تحالف حيث يتضاعف الأثر مثل شراكات يونيليفر (Unilever) في الذكاء الاصطناعي لسلاسل الإمداد.
• قس ما يهم عبر مؤشرات أداء تربط الذكاء الاصطناعي مباشرة بالإيرادات وصافي الربح.

الخاتمة

لم يعد تطوير الأعمال الاستراتيجية مجرد اختيار أسواق أو شركاء — بل أصبح هندسة منظومات تكيفية تجمع بين التقنية، الفرق، القواعد، وسلاسل الإمداد.

الفائزون في 2025 هم من يستشعرون التغيير مبكرًا عبر البيانات، ويتحركون بسرعة عبر إعادة هندسة سير العمل، ويبنون بأمان من خلال الحوكمة والأمن، ويوسعون أعمالهم بذكاء عبر التحالفات والمنظومات البيئية. كما تُظهر تجارب وولمارت ويونيليفر، فإن إدماج الذكاء الاصطناعي في اتخاذ القرار اليومي هو الوصفة الحقيقية للنمو في 2025 وما بعده.